Saturday, November 29, 2025

عن فورد, موديل T

 https://youtu.be/n99rMDf0304


أهلاً فيكم،

في سنوات ما بعد الثورة الصناعية، وازدهار المدن وكثافة القطاع الصناعي، ورصف الطرق بالصخور والحجارة، ظهرت مشكلة داخل المدن لم تكن في الحسبان إطلاقًا، وهي مشكلة روث الخيول. مشكلة عويصة ومقرفة أنتنت المدن وقبحتها وجعلت الشوارع منفرة بشكل لا يطاق. وأثناء محاولات التخلص من هذه المشكلة، ظهرت الحاجة لبديل صريح عن الخيل، ولابد أن يكون هذا البديل شعبيًا وليس نخبويًا، فما هو؟

وكيف بدأ وكيف نجح؟ وكيف اخترع هنري فورد السيارات؟

ولكن قبل الخوض في الحلقة، المحتوى الهادف بحاجة للنشر، فمن فضلك اللايك والشير والمتابعة لآخر الحلقة، وهيا نبدأ.

لماذا أصبحت مشكلة؟

قبل الثورة الصناعية، لم تكن المدن بنفس حجم وكثافة السكان الآن، معظم المجتمعات كانت مجتمعات زراعية بالمقام الأول، لذلك فكون الطرق بين القرى رملية والأراضي معشبة، جعل لا يوجد مشكلة مع الخيول من الأساس، لكن المشكلة كانت مع المدن، وهنا بدأت أول محاولات حل الإشكالية.

المحاولات الأولى:

  1. أول محاولة عملية كانت عن طريق الفرنسي نيوكولا جوزيف كونيوه، اخترع أول سيارة آلة بخارية سنة 1769 بهدف جر المدافع، وكانت السرعة لا تتجاوز 4 كيلومتر في الساعة، وانتهى التمويل دون أن يرى المشروع الإنتاج.
  2. بنى ريتشارد تريفيثيك مركبة تم تسميتها بافينغ ديفيل (الشيطان النافث) سنة 1801، نجح الاختراع بنقل أول 4 ركاب، وانتهى اختراعهم باحتراق بعد أول تجربة. يجدر الذكر أن تريفيثيك هو مخترع القطار البخاري.
  3. حتى محاولات السيارات الكهربائية، تمت سنة 1832 إلى 1839 عن طريق روبرت أندرسون، والفكرة كانت تعديل عربات الخيول بتركيب بطاريات غير قابلة للشحن.

كلها محاولات لم تنتج سيارات للبيع، وهنا نأتي لحقبة بيع السيارات:

ولادة حقبة السيارات الحقيقية:

في سنة 1886 صنع كارل بنز أول سيارة بثلاثة عجلات. انشهرت السيارة بعد قيام زوجته بيرثا بنز بالقيام برحلة سفر مسافة 105 كيلومتر سنة 1888 وتم تناول القصة في الصحف، مما منح الاختراع الشهرة الواسعة.

وكانت تباع بسعر 600 مارك ألماني، ما يعادل 6000 دولار الآن، لكنها كانت أقرب للعبة منها لسيارة، وكان وقودها مادة تسمى الليغروين، كانت تباع في الصيدليات وتستخدم كمنظف، وهذا جعلها منتجًا للنخبة.

سيارات دايملر:

في نفس سنة كارل بنز (1886)، صنع دايملر أول عربة معدلة بأربعة عجلات. لم يكن دايملر ينتج سيارة بالكامل، بل يعدل عربات خيول موجودة بالفعل وذلك بإضافة محرك احتراق بداخلها، ولم يكن له تصميم موحد.

ولو تلاحظون، فصناعة السيارات في أوروبا كانت مقتصرة على محاولات تستهدف النخبة والأثرياء، ولم يكن هدفهم استهداف الناس العامة، ولم يكن لديهم إنتاج ضخم. هذا الاستهداف هو من نصيب هنري فورد.

العصر الثالث للسيارات:

عصر السيارات الثالث بدأ في أمريكا وليس أوروبا. اختراع السيارات تم في أوروبا، لكن في أمريكا تم اختراع الإنتاج الضخم للسيارات، وهنا ينبغي لنا فهم، كيف كانت صناعة السيارات في أمريكا.

السيارات الأمريكية قبل هنري فورد:

قبل عام 1903، كان هناك ما يربو عن 2000 مصنع وشركة وورشة في أمريكا يصنعون السيارات، وهنا أريد منك أن لا تتخيلهم مصانع بخطوط إنتاج بأشكال ثابتة، بل كانت كثير من هذه الورش تنتج سيارة واحدة على الأقل، والإنتاج بناءً على الطلب، ولم تكن القوالب ثابتة والشكل موحدًا. ولعل أنجح شركة سيارات حينها هي: أولدزموبيل (Oldsmobile) التي صنعت سنة 1901 عدد 425 سيارة، وهو فعلاً رقم قياسي بمقاييس وقتها.

وهنا لاحظ أن أمريكا لم تفتقر لمصانع سيارات، بل غرقت فيهم، والغريب أنه بعد هذا الغرق، ولا شركة كانت تنتج بكميات كبيرة تجعل من الممكن للفلاح والمزارع أن يقتنع بجودة وسعر سيارة كخيار بديل عن الحصان. الذي سيقنع الناس هو هنري فورد.

محاولات فورد:

خلافًا للاعتقاد الشائع، فورد له 3 محاولات لصناعة سيارات، 2 منها فشلوا، بمعنى أن فورد أضاف محاولتين فاشلتين لقائمة الـ 2000 مصنع وورشة هاوية.

  1. مصنع ديترويت للسيارات: أول محاولة لفورد كانت سنة 1899 وانتهت عام 1901 بسبب ضعف الإنتاج، تم إنتاج 20 سيارة فقط، وانشغل فورد في سباق السيارات.
  2. مصنع هنري فورد للسيارات: محاولة ثانية من نفس المستثمرين، استمرت فقط 4 شهور، انتهت بسبب شغف فورد في السباقات ورفضه تعيين مراقب عليه.
  3. مصنع فورد للسيارات: هذه هي شركة فورد للسيارات الحالية، وحتي هي كانت لتضاف كمحاولة فاشلة له، لولا ابتكاره خطوط الإنتاج.

خط الإنتاج:

قبل فورد، كانت السيارة تُجمّع من قبل مجموعة من العمال يذهبون ويعودون بالقطع وتركيب السيارة في نفس مكانها. فورد ومهندسوه استلهموا فكرة خطوط الإنتاج من مسالخ اللحوم.

الفكرة أن يتحرك المنتج في خط سير (جنزير أو سير أرضي) ويمر على عدد من العمال المقسمين في مناطق، كل عامل يقوم بخطوة واحدة في المنتج. كمثال، مسالخ اللحوم التي زارها مهندسو هنري فورد لاحظوا أن الذبيحة تمر على عامل ليسلخ الذبيحة، وتمرر في السير لعامل آخر يستخلص الأحشاء، وتمرر الذبيحة لعامل يجتزئ منها القطعة التي هو متخصص فيها، وتمرر لآخر يجتزئ قطعة أخرى متخصص فيها، وعمال لتغليف وتعبئة الأجزاء. وفي خلال 15 دقيقة تدخل الذبيحة حية وتخرج منها مجزئة ومغلفة. كان عملاً يقوم فيه جزار واحد، قسمته شركة سويفت آند كومباني إلى 78 خطوة، لضمان سرعة الإنتاج.

فورد ومهندسوه لم يخترعوا خط الإنتاج من العدم، هم صدّروه لصناعة السيارات، ومنه تم إنتاج أول سيارة من هذه الخطوط وهي سيارة فورد موديل تي.

تأثير خط الإنتاج:

في سنة 1913 وفي مصنع هايلاند بارك في ولاية ميشيغان الأمريكية، بدأ أول خط إنتاج لشركة فورد للسيارات، وذلك كأول تجربة "خط التجميع المتحرك" المتكامل لإنتاج الأسطورة "فورد موديل تي" (Ford Model T). ولتعرف التأثير السحري لهذه العملية، راقب معي تأثير هذا على الإنتاج والسعر:

  1. انخفض وقت الإنتاج للسيارة من 12 ساعة إلى 93 دقيقة! (من يوم لمجرد وقت بريك).
  2. التأثير على السعر الرهيب، تحولت تكلفة السيارة الواحدة من 865 دولار إلى 263 دولار فقط! (توفير).
  3. توحيد التصميم أدى إلى سهولة الصيانة، قبلها كل سيارة منتجة يدويًا وفيها اختلافات، الآن الصيانة أصبحت أسهل مما يتوقع أحد.

النتيجة: سرعة إنتاج مهولة، كان المصنع ينتج سيارة فورد موديل تي واحدة كل 24 ثانية فقط! وشراء سيارة كان يتطلب منك ادخار ثلاث مرتبات فقط.

وهنا حقق فورد الشيء الذي لم يحققه أحد من قبله، وهو تحويل السيارة من منتج للأثرياء والمخترعين المغامرين، إلى منتج للشعب والناس. تم بيع ما يقرب من خمسة عشر مليون سيارة منها حول العالم، خلال فترة إنتاجها 1908 حتى 1927، وكانت السيارة الأكثر مبيعًا في التاريخ حتى عام 1972 عند كسر الرقم من فولكس فاجن بيتل.

التأثير شمل السعر والصيانة والإنتاج وتغيير المدن وتكييفها لهذا المنتج الجديد، اليوم المدن تصمم للسيارات قبل البشر، من سفلتة للشوارع وتهيئة طرق وكباري وإشارات مرور. قبلها كان الناس يسافرون بصعوبة وتعب وعملية التنقل كانت مجهدة، الآن أصبح الأمر أسهل وأريح، وبعد هذا كله أخيرًا تم حل مشكلة روث الخيول ورائحة الشوارع المقرفة.

 

الخاتمة:

هنري فورد في مصنعيه الأول والثاني كان يتبع شغفه، ولم يفعل المطلوب منه. المطلوب تخفيض التكاليف وبناء سيارة للناس ليتم بيعها والتكسب. هو أخطأ الغاية، لكنه أدرك خطأه وصحح مساره، وفكر في منتج يميل للناس. في خط الإنتاج، فورد لم يخترع السيارة ولم يخترع خط الإنتاج، لكنه دمج هذين الفكرين (السيارة وخط الإنتاج) لشركته الخاصة، فنال النجاح. عندما حاول كسر القوانين الاقتصادية، كسرته القوانين مرتين، لكنه نجح فقط عندما أطاع القانون.

 

Saturday, November 22, 2025

عن الدجاج -

 أهلا فيكم، في سنه 1942 وفي خضم الحرب العالمية الثانية، ومع استخدام الناس في مجهود عسكري خصم من قدرة الشعب الأمريكي للعمل في مصانع الحوم، قررت الحكومة الأمريكية التجاوب والسماح بترخيص المصانع لتنظيف الأحشاء ميكانيكيا، هذه الحركة، التي كان هدفها حل مشكلة نقص العمالة، فتحت المجال لصناعة جديدة لم تكن في الحساب، فماهي هذه الصناعة؟ ومن أسسها؟ وكيف تعمل الآن؟


كل هذا وأكثر يسبقه طلب صغير، المتابعة الصامتة يخفي المحتوى الهادف، من فضلك لايك وشير وتعليق.


الحلقة اليوم عن الدجاج الاحم، كيف نشأ كصناعة، ومراحل الصناعة، وهيا نبدأ.

الدجاج البري:

مني ما يربوا عن 8000 سنه من الآن تم تدجين ديك الأدغال الاحمر في ما يعرف بمناطق الهند الصينية و والهند وجنوب الصين, وكان يستخدم في مبارزات المصارعة بين الديوك, كأنها كولوسيوم لكن حيواني, وأيضا لأغراض البيض, وبالطقوس الدينية, ولم يكن تربيته بهدف تناول لحمة.

ما لمانع من تناول لحمه؟

لا يوجد شيء يمنع الناس قديما من تناول الديك والدجاج, فقط قله اللحم المتوفر في الدجاجة وتكلفة تربيته وخسارتك للبيض هو المانع, لذلك الدواجن لم تربى للحومها.

إذا, مالذي جعله المصدر الأساسي للحوم ؟

القصة بدأت عام 1945, عندما رفعت وزارة العدل الأمريكية قضية ممارسة قيود تجارية على سلسة متاجرِA&P

ومن أجل تحسين صورتها، لاحظت هذه السلسة أن الدجاج المباع في محلاتها هزيل وعظمها عريض، فقررت التعاون مع وزارة الزراعة الأمريكية بهدف إنشاء مسابقة بغرض إنتاج سلالة دواجن أفضل فيها لحم أكثر، وتفصيلها التالي

سنه 1946, تم أخذ بيض من المزارعين المشاركين ووضعة في فقاست، ويتم تربيتهم في ظروف محكمة من قبل اللجنة لمدة 12 أسبوع، وثم ذبحها ووزنها وأخذ نتائج الدجاج الذي يصلح للأكل.

سنه 1947 تم تأهيل عدد 40 مزارع، استمروا في الاختبار حتى النتيجة النهائية عام 1948, كانت الشاحنات تأتي محملة بعدد 720 بيضة، ومن كل مزرعة يتم تقييم 50 دجاجة، وسنه 1948 تم إعلان الفائز: تشارلز فانتريس, والجائزة كانت 5000 دولار, الفائز الثاني هو هنري ساجليو, مزارع من أصول إيطالية, والحقيقة أن الجائزة هي الشهرة الواسعة بين مربي الدجاج, الرجال بدأ الزراعة من كونه طفل, وبنى اول حظيرة دجاج له من خشب بيانو قديم, من هذا البيانو القديم بنى مزرعة العائلة.

لتعرف حجم النجاح الذي تم تحقيقه, فالدجاج المنتج من قبل تشارلز فانتريس كان يبلغ وزن 1.9 كيلو خلال 12 أسبوع.

مقارنه بالدجاج العادي الذي كان يزن 1.1 كيلو خلال 16 أسبوع كامله!

 

ماذا حصل بعدها؟

أسس تشارلز فانتريس شركة دواجن باسم:

أسس تشارلز فانتريس في البداية شركة Vantress Hatchery مفقس فانتريس , وذلك بعد فوزة في المسابقة بهدف تلبية الطلبات, صحيح أن الدجاج المنتج كان كبير حينها, لكن لون الريش الأحمر لهذه السلالة الذي يترك بقع داكنة في الدجاج بعد السلخ هو الذي جعل الناس أقل تحمس لهذا الدجاج.

أما عن هنري ساجليو, فقد أسس شركة: "أربور إيكرز" (Arbor Acres), وكان ريش الدجاج في هذه السلالة أبيض اللون, وهذه كانت ميزته.

هنا حدث زواج المصلحة الأكبر في التاريخ! المزارعون اكتشفوا أن تزاوج ديك فانتريس الضخم مع دجاجة ساجليو البيضاء يعطي الكتكوت المثالي, للحصول على دجاج كبير الحجم ولونه أبيض, وهذه هي بداية الدجاج الاحم.

الدجاج الاحم الآن هو احتكار شركتين في العالم:

شركة Cobb-Vantress وهي اندماج شركة Cobb مع شركة Vantress, الفائز بمسابقة دجاج الغد.

وشركة Aviagen التي إستحوذت على شركة أربور إيكرز الفائز الثاني في ذات المسابقة.

مراحل تدجين الدجاج الآن:

الدجاج الذي يصل ليدك يحتاج الآن من 4 إلى 3 سنوات, ويمر بخمسة مستويات:

المستوى الأول: النواة الوراثية:

يكون عددهم ديك واحد وعشرة إناث

دجاج سري جدا وهدفة إنتاج سلالات نقية للمستوى الثاني.

المستوى الثاني: الأجداد العظام.

عددهم يصل لـ 150 دجاجة

فيهم تنتج 4 سلالات نقية معزولة عن بعض, تعود للجيل الأول, هذه السلالات هي:

السلالة A : التي تتميز بنمو العضلات الكبيرة ( العضلات تعني اللحم)

السلالة B : تتميز بسرعة نمو العضلات

السلالة C تتميز بالمناعة القوية.

السلالة D : تتميز بالتبييض (لتبيض الدجاج الاحم).


المستوى الثالث, الأجداد.
عددهم 7500 دجاجة, ويتم التزاوج هنا لإنتاج سلالتين:

يتم تزاوج الذكر (A) مع الأنثى (B) لإنتاج خط الآباء الذكور (AB)، سريعين النمو ولدهم عضلات كثيفة.

يتم تزاوج الذكر (C) مع الأنثى (D) لإنتاج خط الآباء الإناث (CD) يبيضون بكثرة ولديهم مناعة ممتازة.

 

المستوى الرابع: الآباء:

العدد يصل إلى 375,000 دجاجة، وهنا لايتم خلط شيء, بل ضمان جنس السلالين وتكاثرهم, ولضمان عدد ذكور نقي من سلالة: AB وضمان عدد نقي من إناث CD , والسبب هو أن هذا المستوى هو الذي يباع في المزارع العادية، ومنه يتم إنتاج المستوى الخامس

المستوى الخامس:
الدجاج اللاحم
الآن كمزارعين في البلدان ( السعودية مصر وخلافة) يمتلكون الدجاج الذكور والإناث من المستوى الرابع، فببساطة يزاوجوهم لإنتاج السلالة التي تحمل الصفات المطلوبة، يرمز له الدجاج
ABCD دجاج لاحم سريع النمو وهي صفات من أبيه, وعدده غزير لأنه أمه بياضة فباضت كثيرا, وهذا الدجاج هو الذي يصل للسوق وهو الذي نأكله.

عدده يصل إلى 48750000  دجاجة جاهزة للأكل.

 

ماذا نستفيد؟
في الحقيقة، لا نستفيد شيء! فقط أريد أن أوضح أن هؤلاء الناس من الجيل الأول من المزارعين استغلوا قانون يسمح لهم بتنظيف الدجاج ميكانيكيا بدلا من اليد، قبل صدور هذا القانون سيكون من غير العملي تنظيف الدجاج يدويا بكميات الآن، فقبل عام 1946 كان استهلاك الفرد الأمريكي للدجاج السنويا يصل إلى 9 كليو جرا, ارقام عام 2024 توضح أن استهلاك الفرد الأمريكي وصل إلى 46 كليو جرام سنويا من الدجاج, هذا الانفجار في الاستهلاك لم يكن ليحدث لولا الشركات التي طورت سلالات تنمو بسرعة جنونية وتكلفة علف أقل، مما جعل سعر الدجاج أرخص من أي لحم آخر, وكل هذا بسبب أنهم أطاعوا قانون يمنحهم الحق في التنظيف ميكانيكيا, ومن يعلم, لربما أنت عندك منتج تستطيع إنتاجه ويستفيد منه العالم, ولربما أستفيد منه أنا, لذلك, إبدا دائما بطاعة القانون.

Saturday, November 15, 2025

عن نوكيا , عملاق لم يسقط #عن_الثامنة

!لم نفعل شيئا خاطئا، ولكن بطريقة ما، خسرنا

مقولة قالها ستيفن إيلوب في صفقة بيع قطاع الهواتف من نوكيا لشركة مايكروسوفت،

الغريب، أن الموجود ف الصورة هو مدير مايكروسوفت وليس نوكيا! ولم يكن يبكي وقتها، والسبب هو أن مدير نوكيا لم يقل هذه الجملة! والأغرب أن نوكيا لم تخسر كما قد يتخيل البعض!

اليوم عن نوكيا، شركة الهواتف المعروفة التي دخلت كل بيت، واللطيف أنها لازالت في كل بيت، ليس في الذاكرة! بل منتجات ونحن غير مدركين، من هم مؤسسين نوكيا؟ وكيف صعدت؟ ولماذا تعثرت؟ وكيف لاتزال موجودة إلى اليوم؟

تأسيس نوكيا
في سنة 1865 قام
فريدريك إيدستام بتأسيس مصنع لصحن الخشب وبهدف صناعة الورق، وفي عام 1868 تعاون من صديقة ليو ميشيلين لبناء مصنع على ضفاف نهر نوكيانفيرتا" (Nokianvirta) القريب من مدينة نوكيا، وهنا أخذت اسم شراكتهم اسم نوكيا، وكانت تعمل في مجال الخشب والمطاط.


كيف دخلت نوكيا قطاع الإلكترونيات؟
نوكيا الحالية هي اندماج 3 شركات، نوكيا للأخشاب،
شركة المطاط الفنلندية، شركة الكابلات الفنلندية، الأخيرة هي مربط الفرس.
شركة الكابلات الفنلندية:

هي شركة فنلندية نشأت عام 1912 على يد أرفيد ويكستروم (Arvid Wickström), وسبب كونها رائدة هو

 إسهاماتها الحربية لجمهورية فنلندا خلال الحرب العالمية الثانية.
خاضت جمهورية فنلندا حربين ضد السوفييت هما حرب الشتاء وحرب الاستمرار, أسهمت الشركة في بناء كيابل للحكومة الفنلندية بهدف دعم المجهود الحربي, وفي النهاية إنهزمت فنلندا! وطالب السوفييت بالتعويضات وكانت هذه التعويضات منتجات للسوفييت وليست أموال, شركة نوكيا الفنلندية أنتجت الكيابل كجزء من تعويضات الحرب بكميات كبيرة, وهنا صار عندهم القدرة على الإنتاج الكمي, انتهت التعويضات عام 1952, وهنا بدل من إغلاق المصانع وتسريح العمال, اتجه مدير الكابلات الفنلندية : فيرنر ويكلوم (
Verner Weckman) لسياسة تصدير الفائض, وتأسيس قطاع إلكترونيات عام 1960, وهذه الشركة أصبحت الرائدة في القطاع الإلكتروني حينها.

هنا تفهم سبب كون نوكيا رائدة في القطاع الإلكتروني, هذه الريادة سببها استغلالهم لأحد الشركات المندمجة معها لتأسيس الكيان الجديد
Nokia Corporation, وكانت منتجة للكثير من المعدات والإلكترونيات المدنية وحتى العسكرية, منها أجهزة رادار عسكرية وإتصالات عسكرية لاسلكية, وحتى أجهزة كمبيوتر وأجهزة للبيانات تعود لعام 1978!.

دخول قطاع الاتصالات:

أسست نوكيا شركة هواتف باسم موبيرا, عام1979, بهدف تطوير شبكة اتصالات عامة, في السابق أنت تستخدم أجهزة متنقله ولاقطة للموجات بدون وجود محطات استقبال في المنتصف, وهذا جعل نوكيا تطور مشروعين, مشروح نوكيا للأبراج والاتصالات, بهدف توزيع الموجات, وشركة هواتف, وأنتجت شركة نوكيا اول شبكة اتصالات عالمية حينها عام 1981  وأول هاتف محمول وقتها وكان تحت اسم شركة موبيرا, ومن هذه الشركة الجانبية نشأت إمبراطورية نوكيا للهواتف.

نوكيا للهواتف:

نوكيا هي من اخترعت شبكات الاتصال الحالية، وأنتجت الهواتف المحمولة، وأصبحت أكبر شركة اتصالات في العالم، وكانت أكبر شركة هواتف في العالم، لدرجة أن 21% من ضرائب فنلندا كانت تستقطعها من شركة نوكيا، وكانت حرفيا فخر وطني للفنلنديين، ولكن كما نعلم، ظهر الآيفون 2007, وظهر الأندرويد عام 2008, ونوكيا لم تواكب التغيير، فخسرت القطاع وخرجت منه.

يأتي السؤال، كيف حصل ذلك؟ لماذا خسرت نوكيا قطاع كانت تملكه بالعرض والطول؟ تملك مجال هي اخترعته تقريبا؟

ماذا فعلت نوكيا لتخسر؟
لنفهم سبب خسارة نوكيا، يحتاج نراجع العوامل الخارجية التي تغيرت:

1 – تكنلوجيا البطاريات، ظهرت بطاريات الليثيوم كبديل للنيكل.
2 – شاشات سعوية, تقنيه تدعم لمس الإصبع وتعدد اللمات للشاشة.
3 -  مساحات التخزين, كانت تقنيات الذاكرة مرتفعة جدا, وانخفضت بدأ من عام 2001.
4 – الإنترنت اللاسلكي, في السابق كان الإنترنت لاسلكي مكلف جدا وبطيء للغاية, بدأ من 2005 بدأ الإنترنت في التحسن.

5 – المعالجات، بشكل عام تحسنت تقنيات المعالجات لدرجة تسمح بتشغيل أنظمة تشغيل على أجهزة محمولة.

كل هذه العوامل أدت لإصدار هاتف الآيفون عام 2007, والذي جمع كل التقنيات الجديدة في الجهاز الجديد.

وهنا نستطيع فهم العوامل الداخلية التي أدت لخسارة نوكيا وأهمها:

1 – الصراعات الداخلية، نوكيا شهدت صراع داخلي بين أنصار الفكر القديم والجديد:

تبني الفكر القديم نفس الأفكار القديمة "أجهزة ببطاريات جيدة ومصنعية فخمه" متجاهلين الطلب الجديد للناس بطلب نظام تشغيلي أحدث.

2 – الخوف التنظيمي،
خشي المدراء من مواجهه حقيقة أن نظامهم القديم سيمبيان أصبح خارج المنافسة.

3 – استخفاف بالبرمجيات:
في حين أصبح الهاتف مكان لقضاء وقت أطول على البرامج، لم تستوعب نوكيا الأمر واستمرت في تبني هواتف تستخدم للاتصالات في المقام الأول والمراسلات بالرسائل النصية.

4 – تعارض المصالح،

المدير التنفيذي لنوكيا وقتها، كان أمام خيارين، إما أن يتبنى نظام أندرويد ويتخلى علن نظام نوكيا الخاص (وهو أمر فعلته سامسونج بالمناسبة بالتخلي عن نظام بادا لصالح أندرويد) أو تبني نظام ويندوز فون من مايكروسوفت، ستيفن ديلوب اختار الخيار الخطأ وتبنى نظام ويندوز، والسبب هو أن ستفن ديلوب عمل سابقا في مايكروسوفت ولم يكن مخلص لنوكيا!

هذه العوامل أدت للانهيار الدراماتيكي لنوكيا، في البداية لم تستشعر نوكيا الخطر، ضنوا أن الأمور ستمشي كما هي، ولكن بدأ من عام 2009 بدأت نوكيا في تحقيق الخسائر حتى عام 2011, ومع فشلهم في إصدار نظام خاص نظام ميقو, أرادوا تبني نظام جديد موجود بالفعل في الأسواء, فلجوا للخيار الخاطئ وهو نظام ويندوز.

المشاكل لم تحل، استمرت الخسائر في مطارة نوكيا حتى قررت التخلص من قطاع الهواتف بالكامل لصالح مايكروسوفت سنه 2013 في صفقة بيع, وهي الصفقة التي يزعم فيها أن ستيفن ديلوب ذكر ( لم نفعل شيئا خاطئا، ولكن بطريقة ما، خسرنا!), لو رأيت الأسباب السابقة (بعضكم عاشها) ورأى أخطاء نوكيا وإستمرارها في العمل الخاطئ منذ 2007 حتى 2011, لعرفت أنهم لم يقوم بالعمل الصحيح, فكيف أنهم لم يفعلوا شيئا خاطئ؟!

حسنا, نوكيا خرجت من قطاع الهواتف صحيح؟
تتذكرون نوكيا وتأسيسها شركتين, شركة بناء هواتف وشركة لصنع شبكات الاتصال؟ بعد بيع قطاع الهواتف لمايكروسوفت أصبح المدير التنفيذي لنوكيا راجيف سوري
(Rajeev Suri) المهندس الذكي لتحول نوكيا من تركيزها على الهواتف إلى التركيز على البنية التحتية للاتصالات, حاليا نوكيا ركزت كل جهدها في قطاع الشبكات والاتصالات, وأصبحت أحد روادها في العالم, استحوذت على شركة ألكاتل-لوسنت (Alcatel-Lucent)الرائدة في الاتصالات, وطورت تقنيات الجيل الخامس بدئا من عام 2016, وأصبحت تبيع تراخيص الاتصالات لكل شركات الهواتف من سامسونج وآبل وخلافهم من الشركات, وحاليا لا يوجد هاتف لا يستخدم تقنيات نوكيا, وحاليا نوكيا شركة ملياريه, تحقق أرباح سنوية تقدر بالمليارات, منتجاتها لا يراها الشخص والمستهلك العادي, لكنه يستفيد منها دون أن يعلم, لإدراك التحول:

 

السنة

المبيعات السنوية (الإيرادات)

القيمة السوقية (نهاية العام)

الحدث الرئيسي (للسياق)

2003

34.3 مليار دولار

81.5 مليار دولار

عصر هيمنة نوكيا

2007

71.5 مليار دولار

152.2 مليار دولار

(القمة) إطلاق الآيفون

2008

75.8 مليار دولار

59.3 مليار دولار

(أعلى إيرادات في تاريخها) لكن القيمة السوقية تنهار

2011

53.4 مليار دولار

18.1 مليار دولار

التحول إلى نظام ويندوز فون

2012

39.3 مليار دولار

14.5 مليار دولار

(القاع) أدنى قيمة سوقية للشركة

2024

20.6 مليار دولار

24.1 مليار دولار

-

2025

(حوالي 21 مليار دولار TTM)

38.1 مليار دولار (حتى الآن)

نوكيا كشركة تقنيات شبكات واتصالات

 

العبره هي,

نوكيا من  تحولت من شركة صحن خشب إلى عملاق تقني, كانت دائما تلاحق الفرص وتستغلها, شركة نوكيا عمرها تجاول 150 عام, وخلال هذه الفترة لم تشهد إنتكاسة بهذه القسوم إلا بعد أن أصابها الغرور وتكلست وأصابها معضلة المبتكر, ودائما تأكد, السوق له قوانين, من لا يتقدم يتقادم, لم يشفع لنوكيا إخلاص العملاء, ولم يشفع لها عمرها الطويل من الاستمرار والنمو, بس مجرد أنها انحرفت عن الأسلوب الصحيح, وعصت السوق, فالسوق عصاها, الحياه فيها قوانين وحتى السوق له قوانين, والفرد عليه أن يطيع القانون.