https://youtu.be/n99rMDf0304
أهلاً فيكم،
في سنوات ما بعد الثورة
الصناعية، وازدهار المدن وكثافة القطاع الصناعي، ورصف الطرق بالصخور والحجارة،
ظهرت مشكلة داخل المدن لم تكن في الحسبان إطلاقًا، وهي مشكلة روث الخيول. مشكلة
عويصة ومقرفة أنتنت المدن وقبحتها وجعلت الشوارع منفرة بشكل لا يطاق. وأثناء
محاولات التخلص من هذه المشكلة، ظهرت الحاجة لبديل صريح عن الخيل، ولابد أن يكون
هذا البديل شعبيًا وليس نخبويًا، فما هو؟
وكيف بدأ وكيف نجح؟ وكيف
اخترع هنري فورد السيارات؟
ولكن قبل الخوض في الحلقة، المحتوى الهادف بحاجة للنشر، فمن
فضلك اللايك والشير والمتابعة لآخر الحلقة، وهيا نبدأ.
لماذا
أصبحت مشكلة؟
قبل الثورة الصناعية، لم
تكن المدن بنفس حجم وكثافة السكان الآن، معظم المجتمعات كانت مجتمعات زراعية
بالمقام الأول، لذلك فكون الطرق بين القرى رملية والأراضي معشبة، جعل لا يوجد
مشكلة مع الخيول من الأساس، لكن المشكلة كانت مع المدن، وهنا بدأت أول محاولات حل
الإشكالية.
المحاولات
الأولى:
- أول محاولة عملية كانت عن طريق
الفرنسي نيوكولا جوزيف كونيوه، اخترع أول سيارة آلة بخارية
سنة 1769 بهدف جر المدافع، وكانت السرعة لا تتجاوز 4 كيلومتر في الساعة،
وانتهى التمويل دون أن يرى المشروع الإنتاج.
- بنى ريتشارد تريفيثيك
مركبة تم تسميتها بافينغ ديفيل (الشيطان النافث)
سنة 1801، نجح الاختراع بنقل أول 4 ركاب، وانتهى اختراعهم باحتراق بعد أول
تجربة. يجدر الذكر أن تريفيثيك هو مخترع القطار البخاري.
- حتى محاولات السيارات الكهربائية،
تمت سنة 1832 إلى 1839 عن طريق روبرت أندرسون،
والفكرة كانت تعديل عربات الخيول بتركيب بطاريات غير قابلة للشحن.
كلها محاولات لم تنتج
سيارات للبيع، وهنا نأتي لحقبة بيع السيارات:
ولادة
حقبة السيارات الحقيقية:
في سنة 1886 صنع كارل بنز
أول سيارة بثلاثة عجلات. انشهرت السيارة بعد قيام زوجته بيرثا بنز بالقيام برحلة
سفر مسافة 105 كيلومتر سنة 1888 وتم تناول القصة في الصحف، مما منح الاختراع
الشهرة الواسعة.
وكانت تباع بسعر 600 مارك
ألماني، ما يعادل 6000 دولار الآن، لكنها كانت أقرب للعبة منها لسيارة، وكان
وقودها مادة تسمى الليغروين، كانت تباع في الصيدليات وتستخدم كمنظف، وهذا جعلها
منتجًا للنخبة.
سيارات
دايملر:
في نفس سنة كارل بنز (1886)، صنع دايملر أول عربة معدلة بأربعة عجلات. لم يكن
دايملر ينتج سيارة بالكامل، بل يعدل عربات خيول موجودة بالفعل وذلك بإضافة محرك
احتراق بداخلها، ولم يكن له تصميم موحد.
ولو تلاحظون، فصناعة
السيارات في أوروبا كانت مقتصرة على محاولات تستهدف النخبة والأثرياء، ولم يكن
هدفهم استهداف الناس العامة، ولم يكن لديهم إنتاج ضخم. هذا الاستهداف هو من نصيب
هنري فورد.
العصر
الثالث للسيارات:
عصر السيارات الثالث بدأ
في أمريكا وليس أوروبا. اختراع السيارات تم في أوروبا، لكن في أمريكا تم اختراع
الإنتاج الضخم للسيارات، وهنا ينبغي لنا فهم، كيف كانت صناعة السيارات في أمريكا.
السيارات
الأمريكية قبل هنري فورد:
قبل عام 1903، كان هناك
ما يربو عن 2000 مصنع وشركة وورشة في أمريكا يصنعون السيارات، وهنا أريد منك أن لا
تتخيلهم مصانع بخطوط إنتاج بأشكال ثابتة، بل كانت كثير من هذه الورش تنتج سيارة
واحدة على الأقل، والإنتاج بناءً على الطلب، ولم تكن القوالب ثابتة والشكل موحدًا.
ولعل أنجح شركة سيارات حينها هي: أولدزموبيل (Oldsmobile) التي صنعت سنة 1901 عدد
425 سيارة، وهو فعلاً رقم قياسي بمقاييس وقتها.
وهنا لاحظ أن أمريكا لم
تفتقر لمصانع سيارات، بل غرقت فيهم، والغريب أنه بعد هذا الغرق، ولا شركة كانت
تنتج بكميات كبيرة تجعل من الممكن للفلاح والمزارع أن يقتنع بجودة وسعر سيارة
كخيار بديل عن الحصان. الذي سيقنع الناس هو هنري فورد.
محاولات
فورد:
خلافًا للاعتقاد الشائع،
فورد له 3 محاولات لصناعة سيارات، 2 منها فشلوا، بمعنى أن فورد أضاف محاولتين فاشلتين لقائمة الـ 2000 مصنع وورشة هاوية.
- مصنع ديترويت
للسيارات: أول محاولة لفورد كانت سنة 1899 وانتهت عام 1901 بسبب ضعف الإنتاج، تم
إنتاج 20 سيارة فقط، وانشغل فورد في سباق السيارات.
- مصنع هنري فورد
للسيارات: محاولة ثانية من نفس المستثمرين، استمرت فقط 4 شهور، انتهت بسبب شغف
فورد في السباقات ورفضه تعيين مراقب عليه.
- مصنع فورد للسيارات: هذه هي شركة
فورد للسيارات الحالية، وحتي هي كانت لتضاف كمحاولة فاشلة له، لولا ابتكاره
خطوط الإنتاج.
خط
الإنتاج:
قبل فورد، كانت السيارة
تُجمّع من قبل مجموعة من العمال يذهبون ويعودون بالقطع وتركيب السيارة في نفس
مكانها. فورد ومهندسوه استلهموا فكرة خطوط الإنتاج من مسالخ
اللحوم.
الفكرة أن يتحرك المنتج
في خط سير (جنزير أو سير أرضي) ويمر على عدد من العمال المقسمين في مناطق، كل عامل
يقوم بخطوة واحدة في المنتج. كمثال، مسالخ اللحوم التي
زارها مهندسو هنري فورد لاحظوا أن الذبيحة تمر على عامل ليسلخ الذبيحة، وتمرر في
السير لعامل آخر يستخلص الأحشاء، وتمرر الذبيحة لعامل يجتزئ
منها القطعة التي هو متخصص فيها، وتمرر لآخر يجتزئ قطعة أخرى
متخصص فيها، وعمال لتغليف وتعبئة الأجزاء. وفي
خلال 15 دقيقة تدخل الذبيحة حية وتخرج منها مجزئة ومغلفة. كان عملاً يقوم فيه جزار
واحد، قسمته شركة سويفت آند كومباني إلى 78 خطوة،
لضمان سرعة الإنتاج.
فورد ومهندسوه لم يخترعوا
خط الإنتاج من العدم، هم صدّروه لصناعة السيارات، ومنه تم إنتاج أول سيارة من هذه
الخطوط وهي سيارة فورد موديل تي.
تأثير
خط الإنتاج:
في سنة 1913 وفي مصنع هايلاند بارك في ولاية ميشيغان الأمريكية،
بدأ أول خط إنتاج لشركة فورد للسيارات، وذلك كأول تجربة "خط التجميع
المتحرك" المتكامل لإنتاج الأسطورة "فورد موديل تي" (Ford Model T). ولتعرف التأثير
السحري لهذه العملية، راقب معي تأثير هذا على الإنتاج والسعر:
- انخفض وقت الإنتاج للسيارة من 12
ساعة إلى 93 دقيقة! (من يوم لمجرد وقت بريك).
- التأثير على السعر الرهيب، تحولت
تكلفة السيارة الواحدة من 865 دولار إلى 263 دولار فقط! (توفير).
- توحيد التصميم أدى إلى سهولة
الصيانة، قبلها كل سيارة منتجة يدويًا وفيها اختلافات، الآن الصيانة أصبحت
أسهل مما يتوقع أحد.
النتيجة: سرعة إنتاج مهولة، كان
المصنع ينتج سيارة فورد موديل تي واحدة كل 24 ثانية فقط! وشراء سيارة كان يتطلب
منك ادخار ثلاث مرتبات فقط.
وهنا حقق فورد الشيء الذي
لم يحققه أحد من قبله، وهو تحويل السيارة من
منتج للأثرياء والمخترعين المغامرين، إلى منتج للشعب والناس. تم بيع ما يقرب من خمسة عشر مليون سيارة منها حول العالم، خلال فترة إنتاجها
1908 حتى 1927، وكانت السيارة الأكثر مبيعًا في التاريخ حتى عام 1972 عند كسر
الرقم من فولكس فاجن بيتل.
التأثير شمل السعر
والصيانة والإنتاج وتغيير المدن وتكييفها لهذا المنتج الجديد، اليوم المدن تصمم
للسيارات قبل البشر، من سفلتة للشوارع وتهيئة طرق وكباري
وإشارات مرور. قبلها كان الناس يسافرون بصعوبة وتعب وعملية التنقل كانت مجهدة،
الآن أصبح الأمر أسهل وأريح، وبعد
هذا كله أخيرًا تم حل مشكلة روث الخيول ورائحة الشوارع المقرفة.
الخاتمة:
هنري فورد في مصنعيه
الأول والثاني كان يتبع شغفه، ولم يفعل المطلوب منه. المطلوب تخفيض التكاليف وبناء
سيارة للناس ليتم بيعها والتكسب. هو أخطأ الغاية، لكنه أدرك خطأه
وصحح مساره، وفكر في منتج يميل للناس. في خط الإنتاج، فورد لم يخترع
السيارة ولم يخترع خط الإنتاج، لكنه دمج هذين الفكرين
(السيارة وخط الإنتاج) لشركته الخاصة، فنال النجاح. عندما حاول كسر القوانين
الاقتصادية، كسرته القوانين مرتين، لكنه نجح فقط عندما أطاع القانون.