الْخَوْفُ شُعُورٌ فِي دَوَاخِلِنَا لِيَحْمِيَ حَيَاتَنَا،
وَيَجْعَلَنَا أَكْثَرَ اسْتِعْدَادًا لِمُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ،
وَلِلتَّحَوُّطِ مِنَ الْأَخْطَارِ وَالْأَزَمَاتِ. وَلَكِنْ مَتَى مَا ازْدَادَ
هَذَا الْخَوْفُ، يَتَحَوَّلُ لِوَسْوَاسٍ، يُسَيْطِرُ عَلَى حَيَاةِ الشَّخْصِ،
وَيَتَحَوَّلُ الْخَوْفُ وَقْتَهَا مِنْ حَارِسٍ إِلَى سَجَّانٍ. قَدْ لَا
يَعْلَمُ الْكَثِيرُونَ أَنَّ مُعْظَمَ مَخَاوِفِنَا لَا أَسَاسَ لَهَا مِنَ
الصِّحَّةِ، سَنَذْكُرُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِعْرَاضِ 4 أَسْبَابٍ تَدْفَعُ النَّاسَ
لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْخَوْفِ:
الْخَوْفُ الْمُبَالَغُ فِيهِ يَنْتُجُ مِنْ عِدَّةِ أَسْبَابٍ:
- التَّجَارِبُ
السَّابِقَةُ: تَجَارِبُنَا
السَّابِقَةُ قَدْ تَجْعَلُنَا نَتَّخِذُ مِنَ الْخَوْفِ الْمُبَالَغِ فِيهِ
كَدَافِعٍ لِمَنْعِ تَكْرَارِ الْمَخَاوِفِ.
- التَّفْكِيرُ
السَّلْبِيُّ: التَّرْكِيزُ
عَلَى الِاحْتِمَالِ السَّلْبِيِّ مَهْمَا كَانَتْ نِسْبَتُهُ مُنْخَفِضَةً،
وَتَجَاهُلُ الِاحْتِمَالِ الْإِيجَابِيِّ.
- التَّرْبِيَةُ
وَالْمُجْتَمَعُ: عِنْدَمَا
نُرَبَّى عَلَى التَّهْوِيلِ الْمُسْتَمِرِّ مِنَ الْأَخْطَاءِ
وَالْعَوَاقِبِ، نَكْبُرُ بِعَقْلٍ يُضَخِّمُ الْمَخَاطِرَ.
- الرَّغْبَةُ
فِي السَّيْطَرَةِ: لَا
نَقْصِدُ هُنَا التَّحَكُّمَ بِالنَّاسِ، بَلِ السَّيْطَرَةَ عَلَى
الْأُمُورِ، وَأَنَّ حَرَكَةَ الْأُمُورِ تَسِيرُ بِطَرِيقَةٍ أَنْتَ عَلَى
وَعْيٍ وَعِلْمٍ فِيهَا وَمُتَّفِقَةٍ مَعَ إِرَادَتِكَ. بِمَعْنَى،
سَيَكُونُ مِنَ الْمُرْعِبِ أَنْ تَكُونَ عَلَى عِلْمٍ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ
شَيْءٌ يَضْمَنُ عَوْدَتَكَ الْيَوْمَ إِلَى مَنْزِلِكَ آمِنًا، وَأَنَّهُ
تُوجَدُ احْتِمَالِيَّةٌ "وَلَوْ ضَئِيلَةً" بِأَنَّهُ سَيَحْدُثُ
لَكَ مَكْرُوهٌ يَمْنَعُكَ مِنَ الْعَوْدَةِ إِلَى مَنْزِلِكَ سَالِمًا، أَوْ
لَا تَعُودُ أَبَدًا. وُجُودُ هَذَا الِاحْتِمَالِ مَعَ عَدَمِ
إِمْكَانِيَّةِ السَّيْطَرَةِ عَلَيْهِ قَدْ يُسَبِّبُ رُعْبًا وَيَدْفَعُ
الشَّخْصَ لِمُحَاوَلَةِ طَمْأَنَةِ هَذَا الشُّعُورِ.
وَهُنَا لَا نَنْفِي أَهَمِّيَّةَ الْخَوْفِ، إِنَّمَا نَنْفِي
صِحَّةَ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ، فَهَلْ هَذَا يَعْنِي أَنَّ الْمُبَالَغَةِ فِي
الْخَوْفَ خَاطِئٌ؟ نَعَمْ.
تَذَكَّرْ، كَمْ مَرَّةً قُدْتَ السَّيَّارَةَ، وَكَمْ مَرَّةً
تَعَرَّضْتَ فِيهَا لِحَادِثٍ خَطِيرٍ؟ هَلْ هَذَا مُبَرِّرٌ لِلِامْتِنَاعِ عَنِ
اسْتِخْدَامِ السَّيَّارَةِ؟ كَمْ مَرَّةً مَشَيْتَ فِي أَحَدِ الطُّرُقَاتِ
مُنْفَرِدًا، وَكَمْ مَرَّةً تَعَرَّضْتَ فِيهِ لِتَهَجُّمٍ مِنْ مُعْتَدِينَ؟
هَلْ نَمْتَنِعُ عَنِ الْمَشْيِ إِرْضَاءً لِلْمَخَاوِفِ؟
مِنَ الْوَارِدِ أَنَّهُ قَدْ لَمْ يَحْصُلْ لَكَ أَيٌّ مِنْ هَذِهِ
الْأَشْيَاءِ، فَلِمَاذَا تَخْشَاهَا لِحَدِّ تَعْطِيلِ حَيَاتِكَ؟
لِهَذَا، عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ أَنْ نَلْجَأَ إِلَى
الْاِطْمِئْنَانِ لِمُوَاجَهَةِ الْمَخَاطِرِ بِوَعْيٍ وَهُدُوءٍ.
كَيْفَ نَتَعَلَّمُ الْاِطْمِئْنَانَ؟
- فَصْلُ
الْخَيَالِ عَنِ الْوَاقِعِ: تَدَرَّبْ
عَلَى تَحْدِيدِ الْحَقَائِقِ الْمُتَجِرَّدَةِ، وَفَصْلِهَا عَنِ
الِاحْتِمَالَاتِ الْوَهْمِيَّةِ الَّتِي يُنْتِجُهَا عَقْلُكَ.
- التَّفْكِيرُ
فِي الْحُلُولِ: لِلتَّجَاوُبِ
مَعَ شَرِّ الْخَوْفِ تَجَاوُبْ خَيْرًا، وَفَكِّرْ فِي حُلُولٍ
لِلْمَخَاطِرِ بِشَكْلٍ عَمَلِيٍّ.
- تَطْبِيعُ
الْخَطَأِ: تَذَكَّرْ،
لَكَ الْحَقُّ فِي التَّجْرِبَةِ. الْفَشَلُ لَيْسَ النِّهَايَةَ، هُوَ
جُزْءٌ طَبِيعِيٌّ مِنْ رِحْلَةِ التَّعَلُّمِ.
- قَبُولُ الْمُخَاطَرَةِ وَالشَّرِّ: الشَّرُّ جُزْءٌ مِنَ الْكَوْنِ، فَلَا يُوجَدُ كَسْبٌ بِلَا خَسَارَةٍ، وَلَا سَعَادَةٌ بِلَا حُزْنٍ، وَلَا حَيَاةٌ بِلَا مَوْتٍ. اِقْبَلِ الِاحْتِمَالَ السَّلْبِيَّ كَقُبُولِكَ لِلِاحْتِمَالِ الْإِيجَابِيِّ، وَافْعَلِ الْمَطْلُوبَ لِتَزِيدَ احْتِمَالَ الْخَيْرِ وَالْمَنْفَعَةِ. وَهُنَا تَوَقَّفْ عَنِ الْخَوْفِ وَاطْمَئِنَّ. اسْتِعْدَادُكَ هُوَ الْحَارِسُ، وَالِاسْتِمْرَارُ فِي الْخَوْفِ هُوَ السَّجَّانُ، تُسْجَنُ فِي وَهْمِ أَنَّكَ تُسَيْطِرُ عَلَى الْأُمُورِ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ، سَتَفْعَلُ الْكَثِيرَ وَالْكَثِيرَ، وَتَجِدُ أَقَلَّ مِمَّا تَظُنُّ وَتَطْلُبُ. هَكَذَا تَعْمَلُ الْأُمُورُ وَهَذَا نَصِيبُ الْإِنْسَانِ وَهَذَا مَا خَطَّهُ الْقَدَرُ لَا مَفَرَّ. صَحِّحْ تَوَقُّعَاتِكَ وَاقْبَلِ الْأُمُورَ، لِتَكُنْ تَوَقُّعَاتُكَ مُنْخَفِضَةً، وَطِعِ الْقَانُونَ
No comments:
Post a Comment